و إلى العروبة ننتسب

في المتخيل العربي الجماعي، يعتقد المشرقيون أننا نحن المغاربيون لا نتحدث اللغة العربية بل حديثنا  مزيج من الأمازيغية و بعض الكلمات الدارجة إضافة لكلمات أجنبية دخيلة لذا يعتبروننا عرب من الدرجة الثانية. بالطبع الأناس الواعون و المتنورون لا يتشاركون مع   مجتمعاتهم   في هذه النظرة المشوهة.
في قصيدة حماسية يقول في مطلعها " شَعْـبُ الجـزائرِ مُـسْـلِـمٌ *** وَإلىَ الـعُـروبةِ يَـنتَـسِـبْ " ، أجاب عبد الحميد بن باديس على هذه الإتهامات


و هذا ليس غريبا عن الجزائريين، فشهيد اللغة العربية منهم. مالك حداد الكاتب الفرنكفوني و سفير المقاومة الجزائرية في العالم، ثار من أجل الوطن و من أجل اللغة  العربية  و  توقف عن الكتابة عندما إكتشف أنه عاجز عن التعبير بلغته و صار أحد أكبر مناهضي التيار الفرانكفوني في الجزائر.


كنت قد قرأت مقالا لأحد الكتاب  المشارقة " زارع بن عبدالله بن ظافر"  الذي عاش في موريتانيا  و سبق له العمل فيها كمدرس حيث يتحدث عن تجربته هناك و صدمته حينما صادف طلبة الشعوب المغاربية التي تتقن اللغة العربية كتابة و تحدثا أحسن من أبناء وطنه.

وأخذت أتأمل المسألة وأقارن - بأسف - ماأرى، بالوضع لدينا في المشرق العربي بصفة عامة، ثم أخذت أوسع دائرة التأمل، فبدأت أطالع الصحف (المغاربية) وأحاور عددا من الناس من المثقفين وغيرهم فأدهشتني طلاقة الألسنة بالعربية الفصحى وسيولة اللغة على ألسنتهم وأقلامهم، حتى الأطباء والحرفيين، بل حتى الباعة، يمكن أن تحاورهم باللغة العربية الفصحى، بل حتى المتسولين يتسولون بالفصحى، وإذا لحن المتسول ردوا عليه! بيد أن في لغتهم الفصحى لكنة متأثرة بلهجتهم العامية، وهي لا تؤثر في الطلاقة التي أعنيها إذ إني أقصد بها الانطلاق في الكلام وندرة اللحن ومطاوعة المفردات لهم عند أداء المعاني. وقد زاملت بعض الطلبة المغاربة في مركز لتعليم اللغة الإنجليزية في نواكشوط، ونظرت في بعض مذكراتهم الجامعية التي يصطحبونها معهم من الجامعة إلى هذا المركز، فرأيت فيها جودة ونقاء في الكتابة واللغة، وكأنها لطالب متميز لدينا في قسم اللغة العربية. ودخلت في المكتبة المركزية هناك، ورأيت قسما للبحوث الجامعية لطلاب الليسانس (حيث وضع لها قسم خاص) وتصفحت عددا من تلك البحوث استوقفتني ساعات طويلة وأمسكت تلابيب الدهشة والإعجاب لدي، فلا ركاكة في الأسلوب ولا أخطاء إملائية ولا لغوية إلا في القليل النادر، رغم أن معظم هذه البحوث في علوم لا علاقة لها باللغة والأدب، بل هي في الجغرافيا والشريعة ونحوهما، ولكنها في غاية الجودة والإتقان.
و هذا واضح  عندما ينظر العرب من الخليج إلى المحيط لتونس بغيرة لإنجابها مثل هؤلاء الشعراء الذين حمسهم شعرهم و جعلهم يقتنعون أنه إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر.


و المغاربة أيضا لا يقلون عروبة عن باقي بلدان شمال أفريقيا. و من أكبر المدافعين عن اللغة العربية،أمير شعراء المغرب ،  المؤرخ و  الأديب و العالم و الوزير العلامة المختار السوسي و  الذي ينتمي لمنطقة سوس الأمازيغية التي سميت بسوس العالمة لكثرة علمائها.

3 تعليقات:

حياك الله أخي يوسف.
كلما دخلت هنا أحس بعبق الانتماء.
سأضع كلاما للعلامة المختار السوسي وهو من كتابه المعسول:
(لغة العرب أفصح اللغات وخير لغة أُخرجت للناس ... صرنا، نحن العجم، نذوق حلاوتها وندرك طلاوتها، حتى لنعد أنفسنا من أبناء يعرب وإن لم نكن إلا أبناء أمازيغ، فالإنسان بذوقه وبما يستحليه عند التعبير، لا بما رضعه من ثدي أمهاته ... فاللغة العربية هي لغتنا حقا، وتلك نعمة أنعم الله بها علينا بفضله وكرمه، حتى إننا لنرى أنفسنا من ورثة الأدب العربي، فنغار إن مسه ماس بفهاهة، ونذود عن حماه إن أحسَسْنا بمن يريد أن يمسه بإهانة، فنحن عرب أقحاح، من حرشة الضباب والمستطيبين للشيح والقيصوم...)

كما أذكر أن أبا عبد الله بن محمد بن داود الصنهاجي المعروف بابن آجروم، ألف كتابا في النحو واسمه الأجرومية وهو كتاب معتمد في الدراسة الشرعية في المغرب. وللعلم أن هذا الشيخ أمازيغي الأصل.
وهذا على سبيل الذكر فقط وليس الحصر.
بارك الله فيك أخي.

تذكرت أنه في أحد ألايام كنت أنا وإسباني وفلسطيني تحدتث مع الفلسطني بالعربية و بدا الإسباني ينظر إلينا قلت له لو تكلمت معه بالمغربية لما إستطاع فهمي فقال لفلسطيني نعم معه حق هم يتكلمون بلعربية مختلطة بفرنسية والأنجليزية بقيت مصدوم وكنضحك وانصرفت هههههه ...

هناك أحد البرامج الجميلة على راديو ميدي 1، الذي يعود إلى الأصول العربية لكلماتنا الدارجة. حتى بعض الكلمات التي نتحدث بها و التي كنت أظنها خاصة بالمغاربة، إكتشفت عبر هذا البرنامج أنها كلمات عربية أصيلة.

إرسال تعليق

إجمالي مرات مشاهدة الصفحة

أشهـر مـواضيـعي

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More